70 عاماً على سقوط النازية
محمد السمّاك |
الاتحاد الإماراتية -
تحتفل أوروبا اليوم 8 مايو بالذكرى السبعين لانتهاء الحرب العالمية الثانية. وفي اليوم التالي، 9 من الشهر، تحتفل روسيا بالذكرى ذاتها. والمناسبة واحدة، ولكن الاختلاف في التوقيت يعود إلى أن استسلام ألمانيا النازية أُعلن في ساعة متأخرة من مساء يوم 8 من الشهر، حسب التوقيت الأوروبي الذي يصادف بداية اليوم 9 حسب التوقيت الروسي.
وحدها أوكرانيا احتفلت بالمناسبة يومي 8 و9. فالأوكرانيون في غرب البلاد كانوا خاضعين لألمانيا النازية، وكانوا تابعين لها حتى أنهم كانوا يقاتلون في صفوفها. أما في شرق البلاد فكانوا يقاتلون مع روسيا. وكانوا أيضاً تابعين لها. ولا يزال هذا الانقسام مستمراً حتى اليوم، تعكسه الأزمة الحالية، فالأكرانيون الغربيون يطالبون بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باعتبارهم جزءاً من المجتمع الأوروبي.. فيما يطالب الأوكرانيون الشرقيون بالانضمام إلى روسيا باعتبارهم جزءاً من الأمة الروسية.
والانقسام في أوكرانيا هو صورة مصغرة عن الانقسام في معسكر المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. ذلك أن روسيا قاطعت الاحتفالات التي جرت في أوروبا.. وقاطعت أوروبا والولايات المتحدة الاحتفالات التي جرت في موسكو.
وعندما استسلمت ألمانيا في عام 1945 ارتفعت في موسكو الأعلام الأميركية والبريطانية. وتحولت سفارة الولايات المتحدة إلى محجّ للروس الذين اعتبروا في ذلك الوقت أن الفضل الأول في سقوط النازية يعود إلى المشاركة الأميركية في الحرب.
ولأول مرة الآن منذ عام 1965 يغيب عن المشاركة في الاحتفال الروسي للانتصار على النازية، رؤساء الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وهو تغيب احتجاجي على سياسة الرئيس بوتين في أوكرانيا، وقبلها في جورجيا. وكان الجنرال جوزف ستالين قد أوقف الاحتفالات في هذه الذكرى في عام 1948، لأنه كان يخشى من توظيف الاحتفالات بالنصر العسكري لإثارة شهية كبار جنرالات الجيش السوفييتي على السلطة، وكان أكثر من يخشى طموحاته هو الماريشال جيورجي زوكوف الذي كان له شرف التوقيع مع قادة قوات الحلفاء على وثيقة استسلام ألمانيا النازية.
وإذا كان لليوم من معنى للاحتفال بالذكرى، فهو توجيه رسالة إلى حلفاء الأمس بأن روسيا التي دفعت 27 مليون قتيل ثمن الانتصار، ليست مستعدة للخضوع للابتزاز السياسي وللعقوبات الاقتصادية التي تفرض عليها. وأن تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو حدودها الغربية لا يعكس روح انتصار الحلفاء، بقدر ما يعكس تطلعات ومحاولات الحلفاء السابقين لمحاصرة روسيا وكسر شوكتها القومية.
غير أن المفارقة الأبرز في الاحتفالات بذكرى هزيمة ألمانيا النازية تتمثل في التنافس بين روسيا، والمجموعة الأوروبية على كسب ود ألمانيا التي نهضت من تحت ركام الحرب. فالدولة المنهزمة التي تنافس الشرق والغرب على تدمير بنيتها التحتية والفوقية معاً، تتبوأ اليوم موقعاً قيادياً في المجموعة الأوروبية، وتحافظ في الوقت ذاته على علاقات قوية مع روسيا على الرغم من المقاطعة الشاملة التي تتعرض لها.
وتشاء المصادفة أن يتزامن الاحتفال بالذكرى السبعين لسقوط النازية، مع محاكمة من يعتقد أنه المتهم الأخير في لائحة النازيين الذين شاركوا في ارتكاب جرائم الحرب. والمتهم الذي يبلغ من العمر 93 عاماً كان جندياً يافعاً مكلفاً إحصاء وتسجيل عدد ومحتويات المعتقلين لدى خروجهم من القطارات التي حملتهم إلى معسكر «أوشفيتز» في جنوب بولندا. وهو الآن يحاكم بتهمة المشاركة في الجريمة النازية.. التي يحتفل الشرق والغرب –كل على طريقته- بذكرى الانتصار عليها.
وفي الأسبوع الماضي، كنتُ في زيارة إلى مدينة برلين. وشملت الزيارة مبنى البوندستاغ -البرلمان- وقد لاحظت أن عملية ترميم المبنى التاريخي حافظت على العبارات التي كتبها جنود روس على الجدران الداخلية للبرلمان أثناء تحرير المدينة من النازية. والعبارة الوحيدة التي مسحت عمداً، هي التي تشتم ألمانيا، وتتهم الشعب الألماني بالنازية.
وكان قد صدر كتاب لعالم اجتماع ألماني- يهودي حاول فيه أن يروج لنظرية تقول إن النازية ليست عقيدة حزب فقط. ولكنها عقيدة شعب. وأن سقوط الحزب النازي لا يعني أن النازية سقطت.. لأنها منغرسة في عمق الثقافة الوطنية الألمانية. وقدر رد علماء ألمان مسفهين هذا المنطق، ومؤكدين أن النازية خربت ألمانيا، وأساءت إليها، وأنها أصبحت من الماضي. والمهم أن يقتنع الآخرون في الشرق وفي الغرب بذلك
لا تعليقات في " 70 عاماً على سقوط النازية "