أزمة ديون أوكرانيا .. بقلم: لورانس سمرز
|
أزمة ديون أوكرانيا
|  |
- الاتحاد الاماراتية -
قريباً سيكون على أوكرانيا ودائنوها، ومعهم المجتمع الدولي، اتخاذ قرار بشأن طريقة التعامل مع الديون المتراكمة على البلاد في سياق الدعم المتواصل لكييف. وهنا تبرز نقطة خفض الديون باعتبارها أحد الوسائل المهمة التي يمكن من خلالها التخفيف من المعاناة الاقتصادية لأوكرانيا. والحقيقة أن الكيفية التي سيتم التعامل بها مع مسألة الديون ستحدد بدرجة كبيرة مدى التزام المجتمع الدولي بمساعدة أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي، كما أن الفشل في خفض الديون الأوكرانية سيؤكد فقط وجهة النظر القائلة إن المصالح المالية الخاصة تؤثر بقوة على السياسات العامة.
فأوكرانيا تعيش حالة تشبه الحرب مع روسيا التي ضمت القرم وحققت مكاسب مهمة في السيطرة على أراض بشرق البلاد، فيما تراقب جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق الوضع بقلق بالغ، وحتى بلدان أوروبا الوسطى لا يريحها ما يجري، لذا سيحكم التاريخ على هذه المرحلة على أساس التعامل مع مسألة الديون الأوكرانية المرتبطة بالوضع السياسي والاستراتيجي وبالصراع مع روسيا.
ولعل ما يعزز فكرة خفض الديون وتقديم يد العون لكييف أنها منخرطة اليوم في إصلاحات اقتصادية مهمة بإشراف فريق يُعد الأكثر عزماً على الإصلاح منذ استقلال البلاد في التسعينيات. فقد أبانت أوكرانيا عن شجاعة سياسية نادرة في محاربة الفساد، وبالأخص المضي قدماً في رفع الدعم عن الطاقة التي كانت تتسبب في إهدار كبير للمال العام، حيث سمحت لأسعار الغاز بالارتفاع عشر مرات مقارنة بأسعارها السنة الماضية. ويبدو أن ما قامت به كييف لإصلاح نظام دعم الطاقة على مدى الشهور الاثنى عشر يتجاوز ما قامت به دول أخرى في 12 سنة.
ولا شك أن الاعتبارات الأخلاقية والجيوسياسية والاقتصادية التي تدفع في اتجاه دعم أوكرانيا واضحة للعيان، وهو ما قام به صندوق النقد الدولي الذي لم يدخر جهداً في مساعدة كييف عبر برامج القروض التي بلغت 17 مليار دولار. وفيما يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الزيادة في حجم مساعداتهما، تبقى مساهمة البنك الدولي أقل من المتوقع، لاسيما في مجال الديون التي يعتمد عليها مستقبل أوكرانيا.
والحقيقة أن مسألة إعادة جدولة الديون أو خفضها، غالباً ما تثار عندما يتقدم المجتمع الدولي لمساعدة بلد ما، فمن الناحية الاقتصادية يمكن دائماً القول إن تخفيف كلفة خدمة الديون أو تأجيل موعد سداد فوائدها هو أفضل من تقديم قروض جديدة. والحال أن الأمر كما تظهر ذلك حالة بعض البلدان الأوروبية مؤخراً أو الدول الآسيوية في أزمتها خلال 1997، ليس دائماً صحيحاً، والسبب أنه بانتهاج الإصلاحات الاقتصادية المناسبة والمطلوبة يمكن للدول الاعتماد على نفسها في نيل القروض من السوق الدولية.
ولا ننس أنه من دون إمكانية الحصول على التمويل المؤقت عندما تواجه البلدان صدمة مالية، لن تتجرأ الأسواق على منح القروض لتلك البلدان، ما سيؤدي إلى تباطؤ النمو. ويبدو أن تطور المعايير الدولية على مر الزمن يشير إلى العوامل التي تحدد متى يمكن اللجوء لخفض ديون الدول المتعثرة، ولعل أهمها عندما يكون الدين كبيراً واحتمالات سداده ضعيفة، الأمر الذي يقود إلى ضرورة تقاسم الخسارة بين الدائنين بدلا من انتظار نتائج التأخير وتراكم الديون على النمو الاقتصادي. ويصبح خفض الديون أكثر سهولة عندما لا يلقي بأي أعباء على النظام المالي العالمي وعلى المؤسسات المرتبطة بتلك الديون.
كل هذه الاعتبارات تعزز مطالب خفض ديون أوكرانيا، وهنا أوضح صندوق النقد الدولي أنه لكي يستمر في تمويل كييف عليها أن تخفض خدمتها للديون، وتتفادى التراكم المفرط لقروض إضافية خلال السنوات الخمس المقبلة. لكن هل سيقدم الدائنون على خفض ديونهم؟ في جميع الأحوال لن يكون مقبولا أن يستمر دافعو الضرائب حول العالم في تمويل أوكرانيا وتعريض مدخراتهم للخطر والمجازفة حتى تتمكن كييف من سداد مستحقاتها للدائنين، لذلك لا مناص من تقاسم الخسائر وتحمل الدائنين جزءاً من مسؤولياتهم عندما قرروا استغلال المحنة الأوكرانية ومنحها ديوناً على أمل أن أموالهم ستضمنها لهم القوى الغربية الداعمة لأوكرانيا.
--------------------
*وزير الخزينة الأميركي بين 1991 و2001
------------------------------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
شارك :
عن "أوكرانيا نيوز عربي"
وكالة إخبارية أوكرانية مستقلة ناطقة بالعربية تهدف لخلق منظومة إخبارية عربية مستقلة في أوكرانيا تنقل الخبر بموضوعية وتغطي الأحداث بمصداقية. نقل أخبار أوكرانيا للعالم العربي وبالعكس لتقريب الصورة ومواكبة التطلعات لجميع فئات جالياتنا العربية.
لا تعليقات في " أزمة ديون أوكرانيا .. بقلم: لورانس سمرز "